الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

45/10/05

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الحجّ/شرائط وجوب حجّة الإسلام /إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستئجار فتلفت التركة أو نقصت قيمتها

 

(مسألة98): إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستئجار فتلفت التركة أو نقصت قيمتها فلم تف بالاستئجار ضمن، كما أنّه لو كان على الميت دين وكانت التركة وافية وتلفت بالإهمال ضمن [1] .

إذا أهمل الوصي أو الوارث في استئجار شخص يحجّ عن الميّت فتلفت التركة أو نقصت قيمتها فلم تف بالاستئجار فقد ذهب المصنّف (قده) إلى أنّهما يضمنان ويستحقّان العقاب على الإهمال، وكذا إذا كان دين على الميّت وكانت التركة وافية به وأهمل الوصي أو الوارث في أدائه ثمّ تلفت التركة أو نقصت قيمتها بالإهمال يضمنان ويستحقّان العقاب على الإهمال.

وقد أفاد المحقّق الخوئي (قده) بأنّه يضمن الوصي أو الوارث إذا تلفت التركة بالإهمال ويستحقّ العقاب؛ لأنّ ذلك يكون تفريطاً وإهمالاً منه حيث إنّ التركة كانت أمانة شرعية في يده حتّى يرسل نائباً يحجّ عن الميّت ولكنه أهمل ذلك وخان الأمانة فتكون يده يد ضمان حينئذ.

وكذا إذا كان دين على الميّت وأهمل في أدائه حتّى تلفت التركة، فإنّ ذلك موجب للضمان؛ لأنّ التركة كانت أمانة شرعية في يده حتّى يؤدّي الدَّين الذي كان على الميّت ولكنه أهمل ولم يفعل ذلك حتّى تلفت التركة فتكون يده حينئذ يد خيانة، ولذا يجب عليه الضمان ويستحقّ العقاب.

ثمّ ذهب (قده) إلى ضمان الوصي أو الوارث أيضاً لو نقصت قيمة التركة من غير تلف وكان ذلك بسبب إزالة صفة من الصفات كما إذا ترك الميّت بعض الفواكه أو المأكولات كالعنب والرطب أو ترك الميّت قطعة من أرض كانت تمتاز بموقعها المطلّ على النهر وكان بيع هذه التركة كافياً لاستئجار مَن يحجّ عن الميّت ولكن الوصي أو الوارث أهمل الأمر ولم يستأجر مَن يحجّ عنه فزالت صفة من صفات الفواكه كالطراوة وأصبح العنب ذابلاً أو أصبح الرطب تمراً أو زالت مرغوبية تلك الأرض بسبب تغيّر مجرى النهر، فإنّ ذلك يوجب الضمان أيضاً ويستحقّ العقاب على الإهمال والتسويف؛ لأنّ إتلاف الصفات يوجب الضمان كما أنّ إتلاف العين موجب له؛ لأنّ الصفات تابعة للعين المتروكة من قِبَل الميّت حيث وجود اليد على العين المتروكة مستلزم لكونها على الصفات أيضاً بالتبع. وبناء على ذلك، لو أهمل الوصي أو الوارث الاستئجار حتّى زالت الصفة ونقصت القيمة، فإنّ ذلك يوجب الضمان واستحقاق العقاب.

ولكن إذا نقصت قيمة العين أو نقصت قيمة الأموال بحسب القيمة السوقية، وهذا هو الذي ينظر إليه صاحب العروة ـ لا النقصان الذي جاء من زوال الصفة ـ فقد ذهب صاحب العروة (قده) إلى ضمان الوصي أو الوارث إذا أهمل الاستئجار قبل تنزّل العين لقيمتها السوقية.

وقد خالف المحقّق الخوئي (قده) صاحب العروة هنا وذهب إلى عدم الضمان فقال: إذا كان النقصان بسبب نزول القيمة السوقية كما لو استوردت الحكومة كميّة هائلة من تلك الفواكه والمأكولات أو وزّعت أراضي مطلّة على النهر وأدّى ذلك إلى انخفاض الأسعار، فإنّ ذلك لا يوجب الضمان؛ لأنّ القيمة السوقية ليست تحت يده حتّى يكون ضامناً لو أهمل الاستئجار، ولكنه مع ذلك يجب عليه الاستئجار وتتميم الأُجرة من بقيّة التركة لو كانت [2] .

ولكن ربّما يقال في مناقشة ما أفاده المحقّق الخوئي (قده):

إنّ ما ذهب إليه صاحب العروة (قده) هو الصحيح، فإنّ الوصي أو الوارث يضمنان حتّى لو تنزّلت القيمة السوقية ويستحقّان العقاب لتقصيرهما وإهمالهما وتسويفهما في الاستئجار.

ولا يقال: إنّ الوصي أو الوارث وإن كان مستحقّاً للعقاب بسبب الإهمال والتسويف بالاستئجار إلّا أنّه لا دليل على الضمان؛ لأنّنا نقول: بما أنّه قصّر وأهمل فهو ضامن لتنزل القيمة السوقية تمسكاً بالأولويّة العرفيّة حيث تقدّم في بحث الزكاة بأنّ المكلّف لو عزل الزكاة وأخّر دفعها لانتظار المستحقّ الأفضل كما لو أراد دفعها إلى مَن هو أحقّ بها من ذي قرابة أو مَن كان له حاجة شديدة بها وكان عالماً أو نحو ذلك من المرجّحات، فقد دلّت النصوص على الجواز إلّا أنّه يضمن إن تلفت الزكاة؛ لأنّ المستحقّ من الفقراء كان موجوداً في البلد ولم يدفعها إليه. وبناء على ذلك لو كان المكلّف في الزكاة ضامناً لما تلف من الزكاة مع أنّه لم يفعل حراماً بل يستحب له الانتظار والتأخير في الدفع إلى الأفضل ففي المقام يكون الضمان بطريق أولى؛ لأنّ الوصي أو الوارث أهمل وقصّر بالاستئجار ولم يرسل نائباً يحجّ عن الميّت، فإذا تنزّلت القيمة السوقية كان ضامناً لتنزّل القيمة السوقية.

وكذا يمكن أن يقال: يضمن الوصي أو الوارث إذا نزلت القيمة السوقية للتركة حتّى لو لم يكن ذلك بالإهمال والتسويف منه، وذلك ليس من جهة القياس المنهي عنه في الشريعة بل من جهة أنّ العلّة المذكورة في النصوص واحدة، فإنّ نفس العلّة الموجبة لضمان معطي الزكاة عند التلف تكون موجودة في المقام مطلقاً سواء أهمل أو لم يهمل.

وفيه:

أوّلاً: إنّ الضمان المذكور في النصوص على صاحب الزكاة يكون في صورة التلف، ولكنّ الكلام هنا حول ضمان الوصي أو الوارث في صورة تنزّل القيمة السوقية، وعليه فإنّ الموضوع ليس واحداً في كلا الصورتين ولا يمكن جريان الحكم المذكور في الزكاة إلى ما نحن فيه.

وثانياً: إنّ الحكم المذكور في الزكاة ـ بأنّ صاحب الزكاة يكون ضامناً لو أخّر دفع الزكاة انتظاراً للفرد الأفضل ـ يكون على خلاف القاعدة؛ لأنّ قاعدة «ما على المحسنين من سبيل» تدلّ على عدم الضمان، فإنّ اللازم منها عدم ضمان مَن أخّر دفع الزكاة لأجل أمر جائز أو مستحب خصوصاً في فرض عدم الإهمال إلّا أنّ النصوص دلّت على الضمان. وبناء على ذلك، يكون الضمان في الزكاة استثناء من قاعدة عدم ضمان المحسن.

والحاصل: إنّ ما ذهب إليه المحقّق الخوئي (قده) من عدم الضمان لو تنزّلت القيمة السوقية هو المحكّم؛ لأنّ تنزّل القيمة السوقية ليس تحت اليد.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo